فصل: مسألة (في بيان أقسام النَّاسِ فِي صَدَقَتَيِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: إِنْ كَانُوا مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَاتُهُمْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ:

فصل: وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَاتُهُمْ في الزكاة لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ إِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ: لِأَنَّهُمْ بِوُجُوبِ نَفَقَاتِهِمْ عَلَيْهِ قَدْ صَارُوا بِهِ أَغْنِيَاءَ، وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ مُرْتَفِقًا بِهَا فِي سُقُوطِ نَفَقَاتِهِمْ عَنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَأَمَّا إِنْ كَانُوا مِنَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ سَهْمَ الْعَامِلِينَ مِنْهَا: لِأَنَّ سَهْمَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَكَانَ عِوَضًا، فَإِنْ كَانُوا مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ إِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَلَمْ يُعْطِهِمْ مِنْهُ إِنْ كَانُوا فَقُرَاءَ: لِأَنَّهُ تَسْقُطُ نَفَقَاتُهُمْ عَنْهُ بِمَا يَأْخُذُونَهُ مِنْهُ فَصَارَ مُرْتَفِقًا بِهَا. وَإِنْ كَانُوا مُكَاتَبِينَ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ: لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمُكَاتَبِ لَا تَجِبُ عَلَى مُنَاسِبٍ، وَإِنْ كَانُوا مِنَ الْغَارِمِينَ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ سَهْمِهِمْ، سَوَاءً كَانُوا مِمَّنْ أَدَانَ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، أَوْ مَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، فَلَا يُعْطَى إِلَّا مَعَ الْفُقَرَاءِ. وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ أَدَانَ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَيُعْطَى مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ: لِأَنَّ مَا يُعْطَوْنَهُ يَلْزَمُهُمْ صَرْفُ دُيُونِهِمُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا عَلَيْهِمْ، فَلَيْسَ يَرْتَفِقُ بِهَا فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهِمْ. وَإِنْ كَانُوا مِنَ الْغُزَاةِ أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْرَ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ فِي مُؤْنَةِ حُمُولَتِهِمْ وَثَمَنِ سِلَاحِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَنَفَقَاتِ خَيْلِهِمْ وَغِلْمَانِهِمْ، وَلَا يُعْطِيهِمْ نَفَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مُرْتَفِقًا بِسُقُوطِهَا عَنْهُ. وَإِنْ كَانُوا مِنْ بَنِي السَّبِيلِ أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِهِمْ كِرَاءَ مَسِيرِهِمْ، وَلَمْ يُعْطِهِمْ نَفَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ إِلَّا مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُرْتَفِقًا بِهَا فِي سُقُوطِهَا عَنْهُ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِمْ وَلَا يُقِرُّهُمْ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ دُيُونَهُمْ، فَجَازَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهَا مَا اخْتَصَّ بِالسَّفَرِ وَالْغَزْوِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مسألة: لَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ: لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ، في الزكاة فَإِنْ أَدَانُوا أَعْطَاهُمْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَكَذَلِكَ مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَنْهُمْ وَلَا حَمْلُهُمْ إِلَى بَلَدٍ أَرَادُوهُ، فَلَا يَكُونُونَ أَغْنِيَاءَ عَنْ هَذَا بِهِ كَمَا كَانُوا بِهِ أَغْنِيَاءَ عَنِ الْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ قِي الْأَقَارِبِ الْمُنَاسِبِينَ، فَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُقِيمَةً، أَوْ مُسَافِرَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُقِيمَةً لَمْ تَخْلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُطِيعَةً أَوْ نَاشِزَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُطِيعَةً تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ: لِأَنَّهَا غَنِيَّةٌ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاشِزَةً لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهَا وَسَقَطَتْ عَنْهُ بِالنُّشُوزِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَأَمَّا إِعْطَاءُ الزَّوْجَةِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ فَلَيْسَتْ مِمَّنْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى الزَّكَاةِ فَيُعْطَاهُ. وَأَمَّا مِنْ سَهْمِ الْمُؤَلَّفَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْطَى: لِأَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ هُمُ الرِّجَالُ الْمُقَاتِلَةُ، وَلَوْ قِيلَ: يُعْطَى لَكَانَ مَذْهَبًا: لِأَنَّ مَا يُقْصَدُ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الرَّجُلِ وَتَرْغِيبِ قَوْمِهِ فِي الْإِسْلَامِ مَوْجُودٌ فِي الْمَرْأَةِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً أَوْ غَارِمَةً جَازَ أَنْ تُعْطَى مِنْ سَهْمِ الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ دَيْنِهَا وَأَدَاءُ كِتَابَتِهَا. وَأَمَّا مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعْطَاهُ: لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ. وَأَمَّا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ فَسَنَذْكُرُ حُكْمَ سَفَرِهَا، فَلَا يَخْلُو أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ زَوْجِهَا، فَإِنْ سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَا يُعْطِيهَا مِنْ سَهْمِ ابْنِ السَّبِيلِ: لِأَنَّ مُؤْنَةَ حُمُولَتِهَا تَلْزَمُهُ لِأَجْلِ إِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِكَوْنِهَا مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حُمُولَتُهَا لِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ كَرَاءَ حُمُولَتِهَا: لِأَنَّهُ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ. وَإِنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِكَوْنِهَا نَاشِزَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِخِلَافِ الْمُقِيمَةِ النَّاشِزَةِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِيمَةَ إِذَا نَشَزَتْ قَدَرَتْ عَلَى النَّفَقَةِ بِتَعْجِيلِ الْمُطَاوَعَةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ: لِأَنَّهُ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ سَفَرُهَا بِإِذْنِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فِيمَا يَخْتَصُّ بِزَوْجِهَا، فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَحُمُولَتُهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُخْتَصُّ بِهَا فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِغِنَاهَا بِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ: لِأَنَّ حُمُولَتَهَا لَا تَلْزَمُهُ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا نَفَقَةَ لَهَا، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ.

.فصل [في إعطاء الزوجة المطلقة من الزكاة]:

فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقِهِ، فَإِنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا لِكَوْنِهَا رَجْعِيَّةً أَوْ حَامِلًا فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ، في الزكاة فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِوُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ وَلَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ لِحَظْرِ السَّفَرِ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ، وَإِنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا لِكَوْنِهَا حَائِلًا فِي طَلَاقٍ بَائِنٍ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي عِدَّةٍ مِنْ وَطْئِهِ بِشُبْهَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، فَجَازَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ لِحَظْرِ السَّفَرِ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَفِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَا يُعْطِيهَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَجِبُ نَفَقَتُهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَلَا مِنْ سَهْمِ بَنِي السَّبِيلِ.

.فصل [في إعطاء الزوجة الزكاة إلى زوجها]:

فَأَمَّا الزَّوْجَةُ فَيَجُوزُ لَهَا دَفْعُ زَكَاتِهَا إِلَى زَوْجِهَا مِنَ السِّهَامِ كُلِّهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَمَنْعُ زَكَاةِ صَاحِبِهِ كَالزَّوْجِ إِلَى زَوْجَتِهِ. وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لَا يَسْقُطُ بِالْحَجْبِ، فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الزَّكَاةِ كَالْأَبِ. وَلِأَنَّهُ قَدْ تَرْتَفِقُ بِدَفْعِ زَكَاتِهَا إِلَيْهِ: لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَغْنِي بِهَا فَتَلْزَمُهُ لَهَا نَفَقَةُ مُوسِرٍ. وَدَلِيلُنَا عُمُومُ قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِزَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: «زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِمْ»، فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ. فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ: لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَى الْوَلَدِ مِنَ الْفَرْضِ فَثَبَتَ أَنَّهُ التَّطَوُّعُ، فَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ جَوَابُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهُ مِنْ غَيْرِهَا.
الثَّانِي وَهُوَ جَوَابُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ أَوْلَادَهُ وَإِنْ كَانُوا مِنْهَا فَإِنَّهُمْ كَانُوا بَالِغِينَ أَصِحَّاءَ فَسَقَطَتْ نَفَقَاتُهُمْ وَجَازَ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ. وَمِنَ الْقِيَاسِ أَنَّهُ نَسَبٌ لَا يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ فَلَمْ تَحْرُمْ بِهِ الصَّدَقَةُ قِيَاسًا عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَلِأَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الزَّوْجَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي اسْتِبَاحَةِ الصَّدَقَةِ. فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى زَوْجَتِهِ فَهُوَ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا تَلْزَمُهُ فَمُنِعَتْ مِنْ صَدَقَتِهُ وَنَفَقَتُهُ لَا تَلْزَمُهَا فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْ صَدَقَتِهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْأَبِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالْحَجْبِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْأَبَ تَمَيَّزَ بِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ فَيُمْنَعُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّوْجُ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا قَدْ تَرْتَفِقُ بِدَفْعِ زَكَاتِهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ أَنَّهَا لَا تَرْتَفِقُ بِالدَّفْعِ، وَإِنَّمَا تَرْتَفِقُ بِمَا قَدْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنَ الْيَسَارِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الزَّكَاةِ كَمَنْ دَفَعَهَا إِلَى غَرِيمٍ لَهُ فَأَخَذَهَا مِنْ بَعْدِ قَبْضِهَا مِنْ دَيْنِهِ جَازَ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رِفْقًا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا لِحُصُولِ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ، كَذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مسألة [في بيان أقسام النَّاسِ فِي صَدَقَتَيِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: فَأَمَّا آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ جُعِلَ لَهُمُ الْخُمُسُ عِوَضًا مِنَ الصَّدَقَةِ، في الزكاة فَلَا يُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفرُوضَاتِ وَإِنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ وَغَارِمِينَ وَهُمْ أَهْلُ الشِّعْبِ وَهُمْ صُلْبِيَّةُ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَرُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقُلْتُ لَهُ أَتَشْرَبُ مِنَ الصَّدقَةِ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْنَا الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ وَقَبِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْهَدِيَّةَ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى بَرِيرَةَ، وَذَلِكَ أنَهَا مِنْ بُرَيرَةَ تَطَوُّعٌ لَا صَدَقَةٌ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ النَّاسَ فِي صَدَقَتَيِ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ يَنْقَسِمُونَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مِنْهُمْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَتَانِ جَمِيعًا، وَمِنْهُمْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ دُونَ التَّطَوُّعِ. فَأَمَّا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَدْرِهِ وَفَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ. رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. وَرَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَجَدَ تَمْرَةً وَقَالَ: لَوْلَا أَخَافُ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لِأَكَلْتُهَا. وَرُوِيَ أَنَّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ حَمَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَبَقًا مِنْ رُطَبٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: صَدَقَةٌ، قَالَ: «إِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ». فَحَمَلَ إِلَيْهِ طَبَقًا آخَرَ فَقَالَ: «مَا هَذَا»؟ قَالَ: هَدِيَّةٌ.
قال: «إِنَّا نَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَنُكَافِئُ عَلَيْهَا».
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ صَدَقَةِ الْفَرْضِ تَحْرِيمًا وَفِي امْتِنَاعِهِ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا تَحْرِيمًا كَالْفَرْضِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ لَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ وَقَالَ: هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ ولَنَا هَدِيَّةٌ. وَصَدَقَاتُ اللُّحُومِ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ مِنْ ضَحَايَا تَطَوُّعٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا تَنْزِيهًا لَا تَحْرِيمًا: لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسَاجِدِ وَهِيَ صَدَقَاتٌ وَيَشْرَبُ مِنْ بِئْرِ رُومَةَ بِالْمَدِينَةِ وَبِئْرِ زَمْزَمَ بِمَكَّةَ وَهُمَا صَدَقَتَانِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا كَانَ مِنْ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْأَعْيَانِ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا مَسْأَلَةً عَلَى الْكَافَّةِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ مِثْلَ صَلَاتِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَشُرْبِهِ مِنَ الْآبَارِ. وَالَّذِي أَرَاهُ عِنْدِي أَصَحَّ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا أَمْوَالًا مُقَوَّمَةً كَانَتْ عَلَيْهِ مُحَرَّمَةً وَمَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالًا مُقَوَّمَةً كَانَتْ لَهُ مُبَاحَةً؛ فَعَلَى هَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَشُرْبُهُ مِنْ بِئْرِ رُومَةَ وَزَمْزَمَ، وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ الْمُسَيَّلَةُ ثِمَارًا لَا تَحِلُّ لَهُ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَحِلُّ لَهُ.

.فصل: مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ:

فصل: وَأَمَّا مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ الْفَرْضُ دُونَ التَّطَوُّعِ فَهُمْ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَنَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فِيهِ بِلِعَابِهَا وَقَالَ كِخْ كِخْ، وَقَالَ: إِنَّا آَلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ. وَسَأَلَهُ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ عِمَالَةَ الصَّدَقَاتِ فَغَضِبَ وَقَالَ: أَلَيْسَ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ مَا يُغْنِيكُمْ عَنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ. فَدَلَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ عَلَى تَحْرِيمِ الْفَرْضِ عَلَيْهِمْ. فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَحَلَالٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ شَرِبَ مِنْ سِقَايَاتٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْكُمِ الصَّدَقَاتُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْنَا الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَوَّضَهُمْ مَالًا وَاحِدًا عَنْ مَالٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ آلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ دُونَ التَّطَوُّعِ فَهُمْ ذُو الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَى آَلِ الْعَبَّاسِ وَآلِ حَمْزَةَ وَآلِ الْحَارِثِ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلَى آلِ عَلِيٍّ وَآلِ جَعْفَرٍ وَالْفَضْلِ، وَلَا تَحْرُمُ عَلَى آلِ أَبِي لَهَبٍ وَلَا عَلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَا عَلَى جَمِيعِ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَهَذَا خَطَأٌ: لِأَنَّ مَنِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مُنِعَ صَدَقَةَ الْفَرْضِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى مُشْتَرِكٌ بَيْنَ جَمِيعِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَكَذَا صَدَقَةُ الْفَرْضِ حَرَامٌ عَلَى جَمِيعِ بَنِي هَاشِمٍ. وَأَمَّا مَنْ تَحِلُّ لَهُ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فَهُمْ سَائِرُ النَّاسِ، تَحِلُّ لَهُمْ صَدَقَاتُ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ بِالْفَقْرِ وَصَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ مَعَ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ.

.مسألة [فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ جَمَعَ بَيْنَ سَبَبَيْنِ يَسْتَحِقُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا فِيهِمَا]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ غَارِمُونَ لَا أَمْوَالَ لَهُمْ فَقَالُوا أَعْطِنَا بِالْغُرْمِ وَالْفَقْرِ، في الزكاة قِيلَ لَا إِنَّمَا نُعْطِيكُمْ بِأَيِّ الْمَعْنَيَيْنِ شِئْتُمْ، فَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِاسْمِ الْفَقْرِ فَلِغُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا مِمَّا فِي يَدَيْهِ حُقُوقَهُمْ، وَإِذَا أَعْطَيْنَاهُ بِمَعْنَى الْغُرْمِ أَحْبَبْتُ أَنْ يَتَوَلَّى دَفْعَهُ عَنْهُ، وَإِلَّا فَجَائِزٌ كَمَا يُعْطَى الْمُكَاتَبُ، فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ لَا يُعْطَى بِمَعْنَيَيْنِ: قِيلَ الْفَقِيرُ مِسْكِينٌ وَالْمِسْكِينُ فَقِيرٌ يَجْمَعُهُمَا اسْمٌ وَيَتَفَرَّقُ بِهِمَا اسْمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى إِلَّا بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُعْطَى رَجُلٌ بِفَقْرٍ وَغُرْمٍ وَبِأَنَّهُ ابْنُ سَبِيلٍ وَغَازٍ وَمُؤَلَّفٍ فَيُعْطَى بِهَذِهِ الْمَعَانِي كُلِّهَا؛ فَالْفَقِيرُ هُوَ الْمِسْكِينُ وَمَعْنَاهُ أَلَّا يَكُونَ غَنِيًّا بِحِرْفَةٍ وَلَا مَالٍ، فَإِذَا جُمِعَا مَعًا فَقُسِّمَ لِصِنْفَيْنِ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ حَالَيْهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ الَّذِي بُدِئَ بِهِ أَشَدُّهُمَا فَقْرًا، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي اللِّسَانِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَصَورَتُهَا فِي رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ جَمَعَ بَيْنَ سَبَبَيْنِ يَسْتَحِقُّ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَهْمًا فِيهِمَا كَغَارِمٍ فَقِيرٍ وَعَامِلٍ مِسْكِينٍ طَلَبَ أَنْ يُعْطَى بِالْفَقْرِ أَوْ بِالْغُرْمِ، أَوْ بِالْعِمَالَةِ وَالْمَسْكَنَةِ، فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بِهِمَا وَلَا يُعْطَى إِلَّا بِأَحَدِهِمَا.
وَقَالَ فِي كِتَابِ فَرْضِ الزَّكَاةِ مِنْ قِسْمِ الصَّدَقَاتِ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِالسَّبَبَيْنِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ نَصِّهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى إِلَّا بِأَحَدِ السَّبَبَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ. قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى الْأَخْذِ بِجَمِيعِ الْأَسْبَابِ كَمَا لَا يُورَثُ الْمَجُوسِيُّ إِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ قَرَابَتَانِ إِلَّا بِأَحَدِهِمَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا مَعًا: لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِالسَّبَبِ الْوَاحِدِ إِذَا انْفَرَدَ بِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِالسَّبَبَيْنِ إِذَا اجْتَمَعَا فِيهِ وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُورَثَ الزَّوْجُ إِذَا كَانَ ابْنَ عَمٍّ لَهَا بِالسَّبَبَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ: أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ لَا يُعْطَى إِلَّا بِأَحَدِهِمَا وَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَهُمَا، وَمَا قَالَهُ فِي فَرْضِ الزَّكَاةِ مِنْ جَوَازِ إِعْطَائِهِ بِالسَّبَبَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ زَكَاتَيْنِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِالسَّبَبَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِهِمَا إِذَا اتَّفَقَا، فَاخْتِلَافُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ إِلَيْنَا وَالْآخَرُ لِحَاجَتِنَا إِلَيْهِ كَالْعَامِلِ إِذَا كَانَ فَقِيرًا وَالْغَازِي إِذَا كَانَ مِسْكِينًا، وَاتِّفَاقُهُمَا أَنْ يَكُونَا مَعًا لِحَاجَتِهِ إِلَيْنَا كَالْفَقِيرِ إِذَا كَانَ غَارِمًا وَالْمِسْكِينِ إِذَا كَانَ مُكَاتَبًا، كَمَا أَنَّهُ لَا يُورَثُ أَحَدٌ بِسَبَبَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ كَفَرْضَيْنِ أَوْ نَصِيبَيْنِ وَيُورَثُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُعْطَى بِهِمَا وَكَانَ فَقِيرًا غَارِمًا، خُيِّرَ فِي إِعْطَائِهِ بِأَيِّ السَّبَبَيْنِ شَاءَ مِنْ فَقْرٍ وَغُرْمٍ، فَإِنِ اخْتَارَ أَنْ يُعْطَى بِالْفَقْرِ سُلِّمَ إِلَيْهِ وَكَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ دَيْنِهِ، وَإِنِ اخْتَارَ أَنْ يُعْطَى بِالْغُرْمِ جَازَ أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ وَجَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِأَمْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّهُمَا أَوْلَى؟ قُلْنَا: إِنْ كَانَ بِقَدْرِ دَيْنِهِ كُلِّهِ فَأَوْلَى دَفْعُهُ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَالْأَوْلَى دَفْعُهُ إِلَى الْغَارِمِ لَعَلَّهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ فَيَنْمَى، وَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى بِالسَّبَبَيْنِ، أُعْطِيَ بِالْفَقْرِ وَالْغُرْمِ، فَإِنْ كَانَ فِي سَهْمِ الْغُرْمِ وَفَاءٌ لِدَيْنِهِ اسْتُبْقِيَ سَهْمُ الْفَقْرِ، وَإِنْ كَانَ يَعْجِزُ عَنْ دَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ سَهْمَ الْفَقْرِ لِيَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ، واللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.